القائمة الرئيسية

الصفحات

يلا شوت الجديد بث مباشر مشاهدة مباريات اليوم yalla shoot

بايرن ميونخ
8:45 م
0-0
فرايبورغ
  • دبي 1
  • عبدالله السعدي
  • كأس ألمانيا

هل الولايات المتحدة الأمريكية بلد ديموقراطي .... ؟



الكاتب : همام يحي

لا يمل الأميركيون من تذكير أنفسهم والعالم بأنهم نظام ديمقراطي عريق، وأن الديمقراطية بالنسبة لهم نمط حياة لا مجرد نظام سياسي، وكان "نشر الديمقراطية" شعارا تذرعت به الولايات المتحدة في بعض حملاتها الاستعمارية على أعدائها.

لفهم النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة، يحسن بنا أن نتذكر أن النظم الديمقراطية شديدة التفاوت والتنوع، غير أنها تشترك في ميزتين أساسيتين:

لا يمكن فهم النظام السياسيّ للولايات المتحدة من دون العودة إلى بعض المناقشات الأساسيّة التي قدّمها ماديسون
1- تمتع المواطنين، بصفتهم مواطنين، بقدر ما من القوة التمثيلية في الدولة من خلال الانتخابات.
2- تمتّع المواطنين، بصفتهم مواطنين، بقدر ما من الحقوق الأساسية التي تحاول أن تصون قدرتهم على ممارسة اختيار ممثليهم من المعوقات.

فإذا وجد الشرطان، تنوّعت بعدهما النظم الديمقراطية تنوعا كبيرا، فبعضها يختار فيه المواطنون مجلس الممثلين (النواب) على أن يقوم هؤلاء النواب باختيار رئيس أو رئيس حكومة، وبعضها يختار فيه المواطنون شخص الرئيس مباشرة.

وبعض النظم ديمقراطية اجتماعية، تقوم على اعتبار المشاركة الديمقراطية طامحة بالأساس إلى بلورة مواقف شعبيّة مشتركة تتوخى تحقيق القدر الأكبر من الصالح العام والعدالة الاجتماعية، وبعضها ديمقراطية ليبرالية، تقوم على اعتبار المشاركة الديمقراطية طامحة لتحقيق حكومة تحمي الحريات الفردية وتكفل للمواطنين الأمن والحرية أثناء سعيهم لتحقيق الخير الخاص وممارسة حياتهم الخاصة.

لا يمكن فهم النظام السياسيّ للولايات المتحدة من دون العودة إلى بعض المناقشات الأساسيّة التي قدّمها جورج ماديسون (الرئيس الرابع للولايات المتحدة الأميركية) الذي يعتبره المؤرخون أحد آباء الدستور الأميركي، ومعبّرا مهمّا عن الروح التي كُتِب بها الدستور الأميركي وتعديلاتُه.

يُستعاد ماديسون هذه الأيام لسبب وثيق الصلة بموضوعنا، هو أنه كان أحد المحذّرين الأوائل مما صار يُسمَّى "The Mob Rule" أو "حكم الغوغاء"، والمقصود به هو تواطؤ أكثريّة عدديّة في المجتمع على تشريع قوانين أو إجراءات تنتقص من الحقوق الأساسيّة للأفراد أو الفئات الأقلّ عددا، أي استخدام الديمقراطيّة لتفرض الأكثريّة، بحجة كونها أكثريّة، قوانين وإجراءات تنتقص من حقوق الأقلّيات، لا الأقليات العرقية أو الدينية بالضرورة، بل حتى الأفراد الذين قد لا يملكون تمثيلا سياسيّا يمكّنهم من مواجهة تسلط الأكثريّة.

وسبب استعادة ماديسون وتخوّفاته هذه الأيام هو صعود اليمين متمثّلا في ترشّح دونالد ترامب عن الحزب الجمهوريّ لانتخابات الرئاسة الأميركية، فكثيرون يرون أنّ ترامب وأنصاره يمثّلون تجمّعا قد يشكّل أكثريّة عدديّة تمكّنهم من فرض قوانين وإجراءات تمسّ الحقوق الأساسيّة لمن يختلف معهم.

يقول ماديسون في "أوراق الفيدرالية" الورقة العاشرة، ما نصُّه:
" .. ومن النظر إلى الموضوع من هذه الزاوية يمكننا أن نستنتج أن الديمقراطيّة الخالصة، والتي أعني بها مجتمعا يتكوّن من عدد قليل من المواطنين الذين يجتمعون ويديرون الحكم مباشرة، لا يمكن أن يقدّم علاجا لمساوئ التكتّل. إنّ هوى عامّا ما أو مصلحة عامّة ما لا بدّ أن توافق رغبة لدى أكثريّة من المجموع في الغالبيّة العظمى من الحالات، وسيتكفّل شكل الحكم بنفسه في تبادل هذا الهوى والحشد له، وليس ثمّة ما يمكن فعلُه للتصدّي لإغراءات التضحية بالفئة الأضعف أو بالفرد المناوئ. بالتالي، لهذا السبب كانت الديمقراطيات دائما مسرحا للاضطراب والنزاع، وكانت دائما متناقضة مع الأمن الشخصي وحقوق الملكية، وكانت بشكل عام قصيرة العمر وعنيفة الزوال".

ومضمون كلام ماديسون شديد الوضوح: إنّه التخوّف من أن يؤدّي تكتّل أكثريّ مدفوع بهوى لدى الأكثريّة أو مصلحة لها إلى تهديد الأقلّيات، أو تهديد حقوق الأفراد الذين لا ينتمون إلى هذا التوجّه الأكثريّ. ومن أهمّ ما يلفت النظر في حديث ماديسون حديثه عن تهديد الأكثريّة لسلامة الفرد، وتخصيصُه لتهديد حقوق الملكيّة بالإشارة. ماديسون هنا يُشير بوضوح إلى معضلة ستُصبِح إحدى أهمّ اشتغالات الفلسفة السياسية، ألا وهي مسألة العدالة الاجتماعيّة.

هل النظام الأميركي ديمقراطي خالص أم نخبويّ؟ وكان جواب ماديسون حاسما: نحن ديمقراطيّة نخبوية
بطبيعة الحال، الأغنياء وأصحاب الملكية أقلّ عددا من الفقراء والعمّال. هذا التفاوت يختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر، لكنّ الأغنياء كانوا دائما أقلّية عددية في المجتمعات البشريّة، فما الذي سيضمن ألا يتحالف الفقراء أو من لا يتمتّعون بالملكيّة لإقرار قانون لتوزيع الأراضي أو تقسيم ملكيّة الأغنياء بين الفقراء؟ لنتذكّر هنا أننا نتحدث عن أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر، أي قبل أن تتخذ الأفكار الاشتراكية ومعاداة الرأسمالية أشكالها الحديثة.

كان حلّ ماديسون، وهو ما سيظلّ حاضرا في روح الدستور الأميركي ونصوصه، وممارسة الحياة السياسيّة في أميركا، أنّ الديمقراطية لا يمكن إلا أن تكون محكومة بضوابط أساسيّة، أي، لابدّ من تحديد الديمقراطيّة، فنمط "الديمقراطيّة الخالصة" مضطرب وغير مستقرّ.

لم يكن حلّ ماديسون اختراعا لواقع جديد، فالديمقراطية المباشرة على نمط أثينا لم تعد خيارا عمليّا على أي حال، بل كان اختيارا لجواب محدد عن سؤالين ملحّين:

الأول: هل نظامُنا ديمقراطي خالص أم ديمقراطيّ نخبويّ؟ وكان جواب ماديسون حاسما نحو الثاني: نحن ديمقراطيّة نخبوية، أو ديمقراطيّة أوليغاركيّة.

الثاني: هل نظامُنا ديمقراطي اجتماعيّ أم ديمقراطي ليبرالي؟ وكان جواب ماديسون حاسما نحو الثاني -من ناحية المضمون لا الألفاظ- "نحن ديمقراطيّة تحفظ حقوقا أساسيّة للفرد، ولا تُخضِع كلّ شيء لما تُطالِب به الأكثريّة، أو لما تعتبرُه الأكثريّة مصلحة عامة".

وسيكون لهذين الجوابين أبلغ الأثر على تجلّيات الديمقراطية ومسارِها في الولايات المتحدة الأميركيّة، وسنتعرّض لبعض هذه التجلّيات والآثار في تدوينات لاحقة.

تعليقات