القائمة الرئيسية

الصفحات

يلا شوت الجديد بث مباشر مشاهدة مباريات اليوم yalla shoot

بايرن ميونخ
8:45 م
0-0
فرايبورغ
  • دبي 1
  • عبدالله السعدي
  • كأس ألمانيا

الديموقراطية في العالم العربي


الحديث عن الديمقراطية فى العالم العربى هو وبلا منازع حديث الساعة. فهو يسيطر على كافة المنابر الاعلامية ويهيمن على اغلب انشطة منظمات المجتمع المدنى فى العالم العربى بالاضافة الى إنتشارة الواسع على نطاق الدوائر الاكاديمية والنخبوية العربية. وإنتشار الحديث او التداول حول الديمقراطية فى العالم العربى هو امر شرطى ومهم من حيث تنشيطة للنقاشات التفصيلية وليست العمومية  حول امر التحول الديمقراطى. والنقاشات التفصيلية تعنى فى هذا الصياغ البحث الدقيق فى ادوات التحول والانسجام الديمقراطى حسب حالة وخصوصية كل دولة وكذلك حسب مستوى تطور الهياكل السياسية التى تدعم هذه العملية ذات البعد التاريخى. وهنالك فروقات شاسعة بين الدول العربية فى هذا الخصوص، فلبنان – على سبيل المثال لا الحصر – يمتلك مقومات جيدة لادارة هذ العملية إذا ما قورن بدول اخرى تفتقد البنيات السياسية والهيكيلية اللازمة لقيام واستقرار الديمقراطية وتطورها بشكل سلمى. وبناء على هذا المدخل للموضوع فاننى اتعمد تجاوز النقاش الدائر حالياً حول المشروع الامريكى لفرض الديمقراطيات فى العالم العربى بإعتبار ان الصراع العربى نحو الديمقراطية والحريات هو مشروع سياسي قديم فى هذه المنطقة إذا ما قورن بالمشروع الامريكى الحديث نسبياً وواقعياً، على اننى ساعود مرة اخرى فى صياغ هذا المقال وفى تفصيل غير مخل لتحديد موقع الازمة فى جوهر المشروع الامريكى للديمقراطية. وعلية فانه لا يجوز الانسياق وراء الاراء التى تخلط بين المشروعين لنعود ونصف المشروع الاصل بانه سلعة امريكية او سم مدسوس فى دسم، فالسير خلف هذه الاراء سيعيد إنتاج الازمة على مستوى الشرائح الاجتماعية التى تقود الصراع من اجل الديمقراطية منذ امد بعيد وسيعيد هذا الوضع المختل المبادرة المفقودة من يد الدولة العربية اليها مرة اخرى بعد ان فقدتها لفترات طويلة.
 السؤال الملح والمشروع هو: ما موقع الهامش فى المشروع الديمقراطى الذى تقودة او تصارع من اجلة النخب العربية؟ وحتى لا نتوه فى دوامة التعريفات المتناقضة والمتداخلة، يجب علينا العودة الى اصل الموضوع وهو البنيات الهيكلية للديمقراطية. إن مناقشة هذا الموضوع تقتضى التطرق لازمة هيكيلية ملازمة للدولة الحديثة فى العالم العربى. فالواقع يؤكد على وجود فجوات هيكيلية خطيرة بين القطاعات الحديثة والقطاعات التقليدية، والواقع يقول كذلك بوجود هياكل إدارية تقليدية ذات طابع قبلى فى اغلب الارياف والقرى فى العالم العربى إلا انها تعانى من تهميش من حيث السلطات الادارية الممنوحة اليها، كما ان هياكل هذه  المؤسسات التقليدية غالباً ما لا تلتقى مع هياكل الدولة الحديثة فى شكل تكميلى فعال ولكنها تعمل اما فى عزلة او توازى معها، وهذه هو شكل من اشكال "غياب المقابلة بين الدولة والمجتمع" كما يسمية الدكتور عزمى بشارة فى كتابة حول المجتمع المدنى العربى. وعليه فنحن نتحدث عن شكل من اشكال القصور فى القدرات التمثيلية للدولة الشمولية الحديثة فى العالم العربى.
على ان الهامش فى منطقة الدراسة الحالية (الدولة العربية) يعتبر منطقة ممتدة للغاية وتتداخل بشكل هيكلى فعال فى داخل القطاع الحديث وهو ما يجعل دراسة الظاهرة اكثر تعقيداً. قالقطاع الحضرى – ككناية عن المركز - فى العالم العربى لا يمكن إعتبارة منطقة حصرية لامتدادات الحداثة حيث تتشكل الفردانية كظاهرة اجتماعية او تسيطر علاقات الانتاج الصناعية كظاهرة اجتماعية اقتصادية حديثة. فعلى العكس من ذلك يقول الواقع ان اغلب الفئات الاجتماعية المتمسكة بالحداثة والرافضة للانتماء لجذورها الثقافية التقليدية ما تلبث ان تعود سريعاً لاصولها التقليدية عندما تُدخِل الحداثة الحضرية الفرد فى تعارض مع المنظومة القيمية للمجموعة، مما يؤكد سيطرة العامل القيمى (الذكورى) على خلفية الذهنية الثقافية للمجتمع الحديث. على ان الديناميات الاجتماعية يمكن ان تسهم بشكل مباشر – ولاسباب عديدة – فى تحريك مجموعات بشرية من القطاعات المهمشة الى ما يمكن تسميتة بالمركز وذلك بغرض "مقابلة الدولة" التى فشلت فى اداء هذه المهمة الاساسية التى يجب ان تضطلع بها بنفسها.
يقتضى النقاش الفعال لهذه الظاهرة ان يتم ربطها بموضوع الديمقراطية فى نقطة ما. فربط هذا الامر بموضوع الديمقراطية يعنى بشكل مباشر دراسة إتجاهات تحرك القيم الاجتماعية فيمابين الفئات والمستويات المختلفة، كما يعنى فى ذات الصياغ دراسة المكون القيمى المحلى للديمقراطية نفسها.
فى هذه النقطة تحديداً يجب التفريق بين جوهر المشروع الامريكى (الحديث) والمشروع العربى العريق للديمقراطية. يعلق نعوم تشومسكى فى مقالة (بعنوان "ديمقراطية السوق فى نظام نيوليبرالى: المبادى والحقيقة) Market Democracy in a Neoliberal Order: Doctrines and Reality على اراء توماس كاروثارسThomas  Carothers الذى عمل مستشاراً للرئيس رونالد ريغان. يصور كاروثارس جدلية العلاقة بين نفوذ الولايات المتحدة وفشل او نجاح الديمقراطية فى الحالة الامريكية الجنوبية ويقر بأن نفوذ الولايات المتحدة عندما يكون قوياً فإن التقدم بإتجاه الديمقراطية يكون محدوداً ويختلف الحال عكسياً حينما يضعف نفوذ الولايات المتحدة.
Where Washington's influence was greatest, progress was least, and where it occurred, the U.S. role was marginal or negative
ويذهب كاروثارس ابعد من ذلك فى توصيف جوهر المشروع الديمقراطى الامريكى فيقول بأن الولايات المتحدة لا تسعى الى تغيير موازين القوى التقليدية الموجودة داخلياً بقدرما تسعى الى تحولات فوقية فى موازين القوى السياسية الداخلية.
U.S. sought to maintain "the basic order of...quite undemocratic societies" and to avoid "populist-based change," "inevitably [seeking] only limited, top-down forms of democratic change that did not risk upsetting the traditional structures of power with which the United States has long been allied."
ويتفق نعوم تشومسكى مع اراء كاروثارس من منطلق ان البنية الاقتصادية التى تشكلت فى اعقاب التكوين الامريكى قبل مئاتى عام وتعززت بمرور الزمن حتى الحرب  العالمية الثانية اوجدت نمط علاقة يمكن ان يوصف بالتهميشى من قبل الطبقات الرأسمالية الامريكية. وبذلك فهو يرى ان التهميش عملية مركبة تتم فى الاطار الداخلى فى مواجهة الفئات والطبقات الاجتماعية الضعيفة إقتصادياً من خلال إقصائها المنظم من عملية إتخاذ القرار هو سلوك جوهرى بالنسبة للطبقة الراسمالية الامريكية. كما يتم التهميش ايضاً فى الاطار الخارجى فى مقابل الدول الضعيفة ويتدرج التهميش فى الفضائات الداخلية للدول المختلفة ليشمل الطبقات السلطوية فى مقابل الطبقات التى تصارع من اجلها. ويشارك العديد من رواد الفكر الماركسى او النيوماركسى تشومسكى هذه الاراء كمثال الامريكى هيربرت شيلر.
وبالعودة للمشروع الديمقراطى العربى اقول بأن الحديث حول اسس هذا المشروع لا يجب ان ينبنى مطلقاً (او اخلاقياً) على خلفية الانماط التهميشية السالفة الذكر. لذا من الضرورة التفريق بين المشروع الامريكى الصفوى - وربما التدميرى - الذى انتهجته فى امريكا اللاتينية وبين الفهم الواقعى لطرق واشكال التمثيل الديمقراطى الذى نسعى الية. ونبدأ بعرض مقتضب لاحد الفروق الجوهرية بين الدولة الديمقراطية والدولة التوتاليتارية والذى يتمثل فى الاتجاه التمثيلي للفئات الاجتماعية المختلفة. ففى حين يبدو هذا الاتجاه تصاعدياً فى الدولة الديمقراطية (اى ان القواعد تساهم بشكل مباشر فى اتخاذ القرار السياسي عبر الانتخابات كما انها تساهم عبر نوابها المنتخبين فى وضع ميزانية الدولة) فان الامر يبدو معكوساً تماماً فى حالة الدولة الشمولية التى تسير فيها الحركة من اعلى الى اسفل وفى غياب نظم اجتماعية تنشط عملية الدفع والالتقاء المؤسساتى بين الاطراف المختلفة فى هذه العملية. فالحزب السياسى – وبخلاف كافة الاشكال الاخرى بما فيها تنظيمات المجتمع المدنى – يمتلك قدرات تمثيلية تمتد الى القطاعات التقليدية فى الارياف والقطاعات المهمشة. وقد تختلط معايير التمثيل المادى (الطبقى) والمعنوى (الدينى او الطائفى) ولكن العامل الاهم هو وجود تمثيل شعبى فى العملية السياسية. اهمية هذه العملية هو انها تقود الى تكامل البعد القومى مع البعد المحلى فى الممارسة السياسية وهذا ما يبعد عنها شبح العزلة او الصفوية. ويمكن التكهن بان تقود هذه الجدلية الاجتماعية السياسية الى حالتين من حالات التحول الايجابى فى مرحلة من مراحل التطور السياسي؛ التحول على مستوى الحزب والتحول على مستوى القواعد. ففى حالة الحزب سيقود التطور السياسي الى تطور ثقافة مشتركة خالية من التعالى والوصاية وفى حالة القواعد يمكن ان يقود التحول الى مزيد من الثقة فى القدرات الذاتية من خلال تداول الاجيال السلمى على القيادة بالاضافة الى تقدم الحس القومى، على ان مجمل هذه العمليات يمكن ان تقدم حلولاً افضل من الحلول الاحادية والشمولية فيما يختص بتفادى الانقسامات او الحروب الاهلية.
إن حالة التبادل المنهجى بين الفكر التقليدى مواقع الحداثة فى العالم العربى تنشط فى اكثر من موقع - كما اوردنا من قبل - على الرغم من الرغم الرفض المبرمج للاعتراف المادى بهياكل الادارة التقليدية. فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن قرائة ظاهرة "الجمهوريات الملكية" فى هذا الصياغ. فتوريث الحكم للابناء – كظاهرة سياسية ممثلة فى اغلب نظم الادارة الاهلية القروية فى العالم العربى – تمددت من القطاعات التقليدية التى حاربتها دولة التكنوقراط الحديثة عقب الاستقلال الى مراكز السلطة الحديثة لتشكل تحدياً جديداً للمشروع الديمقراطى فى المنطقة. بناء على ذلك فان مكونات العملية السياسية على الرغم من ضئالتها وبوسها فانها قد إزدادت بوساً وإنغلاقاً وبذا اصبح التوريث السياسي هو احد مراحل تطور الدولة الشمولية. يجب قراءة هذه الظاهرة فى إطار ازمة الدولة الشمولية والمتمثلة فى عجزها المبرمج عن إنتاج (او إعادة إنتاج) قيادات قادرة على التفكير والابداع الحر غير المقيد نسبة لانغلاقية واحادية هياكلها. هذا العجز المذرى فى قدرات الدولة الشمولية يظهر بجلاء فى موضوع الزعامة باعتبار ان الدولة تتحول تدريجياً من الهيكلة اللاشخصية structures Impersonal (او كما عرفتها من قبل بالهيكلة المادية) الى الهيكلة الشخصية personal structures على مستوى القيادة فقط مما يخلق تناقضاً هيكلياً بين المستويات العليا والدنياupper and lower   tiers of administration  والتى تعانى اصلاً من تناقضات اساسية وثانوية.
مخرج مؤقت:

يشكل هذا المقال مدخلاً محدوداً ومتواضعاً لمناقشة موضوع الديمقراطية الشائك فى العالم العربى. فالحديث عن الديمقراطية هنا لابد ان يتجاوز الاطر الفكرية الضيقة للتكوينات النخبوية والسياسية الداخلية فى هذه المنطقة حتى لا تصبح الديمقراطية اداة لممارسة المزيد من التهميش على الفئات المهمشة اصلاً او الى تهميش فئات فاعلة فى الوقت الحالى. فالحالة الراهنة من التهميش الاجتماعى والاقتصادى والسياسى والممتدة منذ عقود طويلة قد اسهمت بشكل مباشر وفعال فى خلق فهماً مشوشاً وإقصائياً لمعنى التحول لدى العديد من الشرائح الاجتماعية مما يبعدها بالضرورة عن مواقع التفكير العقلانى فى ماهية واهداف الدولة الديمقراطية. من الضرورة القصوى – لهذا السبب تحديداً بجانب اسباب اخرى- إعادة دراسة اسس الديمقراطية من خلال التعمق دراسة البناء الاجتماعى الداخلى للدول العربية على إختلافها ومن خلال الاستفادة القصوى من كافة التجارب العالمية المشابهة والمفيدة مثل تجربة امريكا اللاتينية واروبا الشرقية. وتقتضى المعالجة كذلك إدراج موضوع الهوية القطرية وعدم تجاوزه بحجة إعادة تشكل الهويات المعولمة فى الاطار القطرى، فالوقائع تؤكد على ان موضوع الهويات القطرية لم يحسم حتى الان فى العديد من الفضائات الداخلية العربية للاسباب التى ذكرت من قبل. وعلى ذلك فان الضرورة تقتضى دراسة عناصر التجانس الاجتماعى المفضى الى إستقرار الديمقراطية فى الدول العربية فى كلياتها، اى فى اطار فعالية علاقتها بما يسمى بالعولمة دون الافتراض المسبق بقدرة فئة وعدم قدرة فئة اخرى فى هذه العملية.
                                                                                       الدكتور عادل المحجوب 

تعليقات